مكة ووصية الحسن البصري - 26 يناير 2016

صحيفة المدينة

مكة ووصية الحسن البصري - 26 يناير 2016

2021-10-11    553

«فاغتنمْ يا أخيّ هذا الخير كله، وإياك أن يفوتك، والسلام»
بهذه العبارة الحازمةِ الجازمةِ اختتم التابعيُّ الجليلُ الحسنُ البصريُّ – رحمه الله – رسالته إلى صديقِهِ العابدِ الزاهدِ عبدالرحيم بن أنس الرماديّ.
والحسنُ البصريّ هو من هو في العلمِ والفهم، والعبادة والزهدِ، أدركَ كبارَ الصحابة، وروى عنهم، وكان - كما قال الغزالي- : « أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم، هدياً من الصحابة، غايةً في الفصاحة، تتصبَّبُ الحكمة من فيه».
وقصةُ هذه الرسالة أن عبدالرحيمِ كان من المجاورين بمكةَ، أولاه الله شرفَ جوار البيتِ، فبدا له أن يرتحل عن مكةَ ويفارقها، فعلم بذلك الحسنُ البصريّ، فانزعجَ، وكتبَ إلى صاحبه يقول له: «وإني والله كرهتُ ذلك، وغمني، واستوحشت منه وحشة شديدة، إذْ أراد الشيطان أن يزعجك من حرم الله، ويستزلك، فياعجباً من عقلك إذْ نويت ذلك في نفسك بعد أن جعلك الله من أهله».
وجاءتْ هذه الرسالةُ البصرية العجيبة حافلة بعشرات النصوص والآثار في فضائل مكة، ومزية سكناها، وفضيلة الجوار فيها. حيث بيَّن الحسنُ البصريّ أن الله فضل مكة على سائر البلاد، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صرّح بحبّها لما أُجبر على فراقها، وقال: «لولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجتُ».
ومما أورده الحسنُ أنه ما من بلدة وفد إليها جميع النبيين والملائكة والمرسلين أجمعين إلا مكة. وأن كل أعمال البرّ فيها تضاعفُ بمئة ألف ضعف، وأنه ما على وجه الأرض بقعة غيرها ينزل إليها كل يوم من عند الله عشرون ومئة رحمة، ستون للطائفين، وأربعون للمصلين، وعشرون للناظرين إلى الكعبة. وأنها أكثرُ بلدةٍ في مواضع إجابة الدعاءِ: ففيها جوف الكعبة، والحجر، والمقام، والملتزمُ، وبئر زمزم، والصفا، والمروة، وعرفةُ، وكلها مواطنُ إجابةٍ. وأن من مات فيها كان أولى من يشفعُ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يوم القيامة آمناً من عذاب الله تعالى لاحساب عليه ولا عذاب.
وبعد سلسلة طويلة من الآثارِ عن فضائل مكةَ قال الحسنُ لصاحبه: «فاثبت مكانك، ولا تبرح، وإنك إن تكسب مكسباً يساوي فلسين من حلال بها، كان خيراً وأفضل من أن تكسب في غيرها ألفي درهم».
إنها رسالةُ عالمٍ عابدٍ إلى عالم عابدٍ نكتشفُ من خلالها الكثير عن مكةَ وفضلها، ونعرفُ من خلالها كم هو شرفٌ أن يكون الإنسانُ من أهل هذه المدينة المقدسة، فهنيئاً للمكيين بمكةَ، وجوار بيت الله الحرام.


مشاركة :